هل يحاسب القانون مؤسسي الشركات ؟
المؤسسون هم أشخاص تصدر عنهم فكرة التأسيس للشركة وذلك بجملة من التصرفات القانونية والأعمال المادية التي يطلبها النظام لتكوين الشركة، وهذه التصرفات والأعمال التي تصدر من هؤلاء المؤسسين يترتب عليها تبعات ومسؤوليات مدنية وجنائية تلحق بهم في حال إخلالهم بها، حيث إن مآل تلك التصرفات والأفعال إن كانت سلبية المساس بكيان الشركة وثقة المستثمرين والدائنين بها. لذلك استوجبت حماية الشركات من تلك التصرفات والأفعال تجريمها وسن العقوبات الرادعة لها .
وباستعراض نظام الشركات السعودي الصادر عام ١٤٣٧هـ نجد أنه وضع تعريفا للمؤسس طبقا لنص المادة (٥٦) يعد مؤسسا، كل من وقع عقد تأسيس الشركة، أو طلب الترخيص بتأسيسها، أو قدم حصة عينية عند تأسيسها، أو اشترك فعليا في تأسيسها، وذلك بنية الدخول مؤسسا في الشركة، ويكون المؤسس الذي قدم حصة عينية مسؤولا عن صحة تقويم حصته.
ونأتي الآن لاستعراض النص التجريمي الذي أتى في مواجهة الوسائل الاحتيالية التي قد يلجأ إليها مؤسسو الشركة تحقيقا لمصالحهم الشخصية، وكذلك ليحمي الشركة والمتعاملين معها من تلك الاحتيالات. وهو نص المادة (۲۱۲) فقرة (و) الذي بين أفعال المستحقين لعقوبة السجن التي تصل إلى سنة والغرامة التي تصل إلى مليون ريال أو بإحداهما، ومنطوق النص هو كل من يثبت – عمدا في عقد تأسيس الشركة أو في نظامها الأساس أو في غير ذلك من وثائق الشركة أو في طلب الترخيص بتأسيس الشركة أو في المستندات المرافقة لطلب التأسيس بيانات كاذبة أو مخالفة لأحكام النظام، وكل من وقع تلك الوثائق أو نشرها مع علمه بذلك..
وسيكون تعليقي على هذه المادة المهمة والحاوية لمفردات تجريمية متعددة، من خلال ذكر بعض الأمثلة للممارسات المخالفة منها على سبيل المثال لا الحصر المخالفات التي تحصل من مؤسسي الشركة في عقود التأسيس ومثلها ممن يأتي بعدهم ( أعضاء مجلس الإدارة في التعديلات التي يدخلونها على عقد الشركة ونظامها الأساسي، وهذه المخالفات سواء للنظام أو للتعاميم والقرارات الوزارية تنصب على إدخال بنود في عقد الشركة ينطلق منها مجلس الإدارة أو الإدارة التنفيذية لاتخاذ قرارات تضر بالصالح العام وتخدم فئة محدودة من الشركاء والمساهمين، مستغلين في ذلك ضعف الرقابة في متابعة مفردات العقد بشكل دقيق وفي استحضار كافة القرارات والتعاميم المكملة لنظام الشركات في آن واحد. لذلك يأتي دور وأهمية اللائحة التنفيذية التي افتقدها نظام الشركات القديم ونتمنى ألا يتكرر الخطأ في الجديد حيث صارت القرارات الوزارية مع التعاميم المكملة تقوم مقامه، ولا يتم إدخالها في صلب نظام الشركات، وهذا يصعب مهمة التدقيق التي تستدعي استيعاب كل ذلك في وقت واحد.
ولذلك تجد المؤسسين ومن يخلفهم يستندون على عقد تأسيس الشركة الذي تم تمريره بشكل سريع وحصل على موافقة وزارة التجارة، ليمارسوا بعض التجاوزات المضامين تعاميم وزارية كانت سابقة لتاريخ عقد التأسيس محتجين بموافقة وزارة التجارة على مضمون عقد التأسيس هذا الذي مكنهم من فعل تلك التجاوزات.
ومن هذه التجاوزات على وجه العموم أن يمرر في عقد التأسيس بند يخص أعضاء مجلس الإدارة الذي يعتبر في العرف التجاري غير تنفيذي بقوله: (إن المجلس الإدارة الحق في كذا وكذا وكذا)، وقد تحصل الموافقة من وزارة التجارة على عقد التأسيس هذا دون النظر بمهنية عالية ودقيقة في ثناياه ومدى موافقته لكل القرارات والتعاميم الوزارية، ولذلك يحصل أن تتفاجأ بعدها بتفويض مجلس الإدارة لعضو منها غير تنفيذي في ممارسة الأعمال اليومية للشركة كالتوقيع على العقود أو شيكات البنوك.
وعلى وجه الخصوص نأتي بمثال واحد، وهو إدخال حق استثمار (۲۰) من رأس المال خارج نطاق غرض الشركة، وهذا يعنى أن شركة بتروكيماوية تقوم بتملك عقارات خدمة من هذه العشرين بالمائة مع ملاحظة أنها استثمارات طويلة الأجل وتعتبر إيراداتها غير تشغيلية، ويحصل تمرير هذا على وزارة التجارة التي توافق على عقد التأسيس المتضمن لهذا الحق دون استحضار التعاميم التصحيحية لهذا الأمر.
ولذلك سبق أن أرسلت هذه الملاحظة المتعلقة بعقد التأسيس وتعديلاته مع غيرها من الملاحظات على كامل النظام القديم لوزير التجارة السابق قبل سنتين، وقد أرفقت حينها لعلاج تلك الملاحظة اقتراحين هما :
الاقتراح الأول: أن يكون هناك تسليم لكامل النظام ولكافة القرارات والتعاميم المعدلة له للمؤسسين قبل استلام العقد منهم، وأن يوضع إقرار معد من وزارة التجارة، يوقعه المؤسسون يتضمن اطلاعهم بشكل كامل على ما تم تسليمه لهم النظام والقرارات والتعاميم) وأنه لا يوجد مخالفة لها في عقد التأسيس المراد تقديمه لأخذ موافقة الوزارة عليه. وأما الاقتراح الثاني فهو أن تكون هناك جهة قانونية مستقلة مكاتب قانونية معتمدة على غرار مكاتب المحاسبة القانونية لدى وزارة التجارة، تقوم بمراجعة عقد التأسيس وكذلك الملاحق التعديلية اللاحقة له وتصادق عليها، وتعتبر بمصادقتها متحملة المسؤولية جنائية ومدنية إذا تبين مخالفة العقد لأي من الأنظمة أو القرارات أو التعاميم ذات العلاقة، وذلك لأن وزارة التجارة لم تصدر قرار الموافقة لعقد التأسيس هذا أو تعديله إلا بناء على مصادقتهم على صحته.
لا تعليق